الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ سِلْعَةٍ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ الثَّمَنَ فِي مَكَان مُسَمًّى، وَلاَ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ السِّلْعَةَ فِي مَكَان مُسَمًّى؛ لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ، لَكِنْ يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ بِإِيفَائِهِ الثَّمَنَ حَيْثُ هُمَا، أَوْ حَيْثُ وَجَدَهُ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ مِنْ بِلاَدِ اللَّهِ تَعَالَى، إنْ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا لأََمْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ وَلَيْسَ عَلَى الْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ لاَ يَحُولَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ مَا بَاعَ مِنْهُ فَقَطْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ جَارِيَةٍ بِشَرْطِ أَنْ تُوضَعَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ حَتَّى تَحِيضَ رَائِعَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ رَائِعَةٍ وَالْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ فَاسِدٌ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ذَلِكَ فَبَيْعُهُ تَامٌّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَأَوْجَبَهُ مَالِكٌ فِي الرَّائِعَةِ، وَلَمْ يُوجِبْهُ فِي غَيْرِ الرَّائِعَةِ: وَهَذَا أَوَّلُ التَّنَاقُضِ، وَفَسَادُ الْقَوْلِ، لأََنَّ غَيْرَ الرَّائِعَةِ تُوطَأُ كَمَا تُوطَأُ الرَّائِعَةُ، وَتَحْمِلُ كَمَا تَحْمِلُ الرَّائِعَةُ. ثُمَّ أَعْظَمُ التَّنَاقُضِ قَوْلُهُمْ: إنَّ الْحَيْضَ لاَ يَكُونُ بَرَاءَةً مِنْ الْحَمْلِ، وَإِنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَحِيضُ . فَقُلْنَا لَهُمْ: يَا هَؤُلاَءِ فَلأََيِّ مَعْنًى أَوْجَبْتُمْ مَنْعَ الْمُشْتَرِي مِنْ جَارِيَتِهِ، وَأَوْجَبْتُمْ هَذَا الشَّرْطَ الْفَاسِدَ الَّذِي لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ تَوَرُّعٌ، وَلاَ رَأْيٌ يُعْقَلُ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّهَا إذَا حَاضَتْ أُسْلِمَتْ إلَيْهِ، وَحَلَّ لَهُ التَّلَذُّذُ مِنْهَا فِيمَا فَوْقَ الْمِئْزَرِ، وَحَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ الطُّهْرِ، وَمُمْكِنٌ عِنْدَكُمْ أَنْ تَكُونَ حَامِلاً مِنْ الْبَائِعِ حِينَئِذٍ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَا أَبَحْتُمْ لَهُ الآنَ، وَبَيْنَ مَا مَنَعْتُمُوهُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ تَحِيضَ، وَخَوْفُ الْحَمْلِ: وَفَسَادُ الْمَبِيعِ مَوْجُودٌ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ فَأَيُّ عَجَبٍ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فِي أَنَّهُ إنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ بَعْدَ الْحَيْضِ، وَبَعْدَ إبَاحَتِكُمْ لَهُ وَطْأَهَا، فَوَلَدَتْهُ لأََقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ: فَإِنَّ الْبَيْعَ مَفْسُوخٌ، وَهِيَ مَرْدُودَةٌ إلَى الْبَائِعِ وَوَلَدُهَا بِهِ لاَحِقٌ، إنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا وَلَمْ يَدَّعِ اسْتِبْرَاءً فَأَيُّ مَنْفَعَةٍ لِلْمُوَاضَعَةِ، أَوْ أَيُّ مَعْنًى لَهَا. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا اتَّبَعْنَا النَّصَّ الْوَارِدَ: لاَ تُوطَأُ حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ قلنا: كَلًّا، بَلْ خَالَفْتُمْ هَذَا النَّصَّ بِعَيْنِهِ؛ لأََنَّكُمْ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الرَّائِعَةِ وَغَيْرِ الرَّائِعَةِ، وَلَيْسَ هَذَا فِي الْخَبَرِ، وَلاَ قَالَهُ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ قَبْلَكُمْ، وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْبِكْرِ وَغَيْرِ الْبِكْرِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ، وَلَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَدَّعُوا هَهُنَا إجْمَاعًا، فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ يَقُولُونَ: إنَّ الْبِكْرَ وَغَيْرَ الْبِكْرِ سَوَاءٌ، لاَ تُوطَأُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا حَتَّى تَحِيضَ، أَوْ حَتَّى تَسْتَبْرِئَ بِمَا تَسْتَبْرِئُ بِهِ الَّتِي لاَ تَحِيضُ: وَهَذَا خَبَرٌ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ لَكِنَّا نَقُولُ: لاَ يَبِيعُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ، وَلاَ يَطَؤُهَا الْمُشْتَرِي حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا كَذَلِكَ احْتِيَاطًا خَوْفَ الْحَمْلِ فَقَطْ، فَإِنْ أَيْقَنَّا أَنَّ بِهَا حَمْلاً مِنْ الْبَائِعِ فَالْبَيْعُ حَرَامٌ إنْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ غَيْرِهِ فَالْبَيْعُ حَلاَلٌ، وَالْوَطْءُ حَرَامٌ حَتَّى تَضَعَ وَتَطْهُرَ. وَهُوَ مُؤْتَمَنٌ عَلَى ذَلِكَ كَائْتِمَانِهِ عَلَى مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ مِنْ وَطْءِ الْحَائِضِ، وَالنُّفَسَاءِ، وَلاَ فَرْقَ، إذْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ ائْتِمَانِهِ عَلَى الَّتِي اشْتَرَى وَبَيْنَ ائْتِمَانِكُمْ مَنْ تَضَعُونَهَا عِنْدَهُ لِذَلِكَ. وَأَنْتُمْ لاَ تُفَرَّقُونَ بَيْنَ الثِّقَةِ وَبَيْنَ غَيْرِ الثِّقَةِ هَهُنَا، وَفَرَّقْتُمْ بَيْنَ الرَّائِعَةِ وَغَيْرِ الرَّائِعَةِ وَهَذَا تَخْلِيطٌ وَتَنَاقُضٌ. وَأَمَّا الْحُكْمُ فِيهَا إنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي " كِتَابِ الأَسْتِبْرَاءِ " بِبُرْهَانِهِ، وَلاَ حَوْلَ، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمَا الْبَائِعُ كِسْوَةً قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، وَلاَ بَيْعُ دَابَّةٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا الْبَائِعُ إكَافَهَا، أَوْ رَسَنَهَا، أَوْ بَرْدَعَتَهَا، وَالْبَيْعُ بِهَذَا الشَّرْطِ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ لاَ يَحِلُّ فَمَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَسْرًا فَهُوَ ظُلْمٌ لَحِقَهُ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ. برهان ذَلِكَ: أَنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَقَالَ تَعَالَى: وقال مالك يُجْبَرُ عَلَى كِسْوَةِ مِثْلِهَا لِلشِّتَاءِ إنْ بِيعَتْ فِي الشِّتَاءِ، وَعَلَى كِسْوَةِ مِثْلِهَا فِي الصَّيْفِ إنْ بِيعَتْ فِي الصَّيْفِ كِسْوَةً تَجُوزُ الصَّلاَةُ فِي مِثْلِهَا فَكَانَتْ هَذِهِ شَرِيعَةٌ لَمْ يَأْتِ بِهَا قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ رَأْيٌ سَدِيدٌ، وَلاَ قَوْلُ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ نَعْنِي بِهَذَا التَّقْسِيمِ. وَقَدْ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: كُلُّ حُلِيٍّ وَكِسْوَةٍ عَلَى الأَمَةِ عُرِضَتْ فِيهَا لِلْبَيْعِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْبَيْعِ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا. فَإِنْ قَالُوا: كِسْوَتُهَا مِنْ مَالِهَا. قلنا: تَنَاقَضْتُمْ هَهُنَا فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ مَالِهَا فَقَدْ أَجَزْتُمْ اشْتِرَاطَ بَعْضِ مَالِهَا، وَهَذَا حَرَامٌ عِنْدَكُمْ، وَالثَّانِي أَنْ نَقُولَ لَكُمْ: كَيْفَ هِيَ مِنْ مَالِهَا وَأَنْتُمْ تُجْبِرُونَ الْبَائِعَ عَلَى إحْضَارِهَا أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ مِنْ حَيْثُ شَاءَ ثُمَّ هَبْكُمْ أَنَّ الْكِسْوَةَ مِنْ مَالِ الأَمَةِ، أَتَرَوْنَ الْبَرْذعَةَ وَالرَّسَنَ مِنْ مَالِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ إذْ قُلْتُمْ: لاَ يُبَاعُ إِلاَّ وَمَعَهُ بَرْذعَةٌ وَرَسَنٌ ثُمَّ مِنْ أَيْنَ لَمْ تَقُولُوا بِهَذَا فِي السَّرْجِ، وَاللِّجَامِ وَهَذِهِ أَعَاجِيبُ وَشُنَعٌ لاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ خَرَجَتْ وَهَلَّا أَوْجَبْتُمْ عَلَيْهِ نَفَقَةَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ تَصْحَبُهَا إيَّاهَا كَمَا أَوْجَبْتُمْ عَلَيْهِ كِسْوَةَ عَامٍ أَوْ نِصْفَ عَامٍ وَمَا [ نَدْرِي ] الْفَرْقَ بَيْنَ الْكِسْوَةِ وَالنَّفَقَةِ، بَلْ النَّفَقَةُ أَوْكَدُ؛ لأََنَّهَا لاَ تَعِيشُ دُونَهَا. فَإِنْ قَالُوا: مُشْتَرِيهَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا. قلنا: وَمُشْتَرِيهَا يَكْسُوهَا أَيْضًا، كَمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَكْسُوَ زَوْجَتَهُ، وَلاَ يُلْزِمُ أَبَاهَا، وَلاَ أَخَاهَا الَّذِي يُزَوِّجُهَا كِسْوَتَهَا مُذْ تَتَزَوَّجُ. فَإِنْ قَالُوا: أَيَبِيعُهَا عُرْيَانَةً. قلنا: أَيَبِيعُهَا جَائِعَةً، وَلاَ فَرْقَ. وقال بعضهم: الْكِسْوَةُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا. فَقُلْنَا: هَذَا كَذِبٌ وَحُمْقٌ مَعًا، وَمَا عَلِمْنَا لِلْإِنْسَانِ أَرْكَانًا تَكُونُ الْكِسْوَةُ بَعْضَهَا. فَإِنْ ادَّعَوْا عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قلنا: كَذَبَ مَنْ قَالَ هَذَا، وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الشَّرِيعَةُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ثُمَّ يَكْتُمُهَا عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَمُعَاوِيَةُ، وَالْحَسَنُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، رضي الله عنهم، حَتَّى لاَ يَدْرِيَهَا أَحَدٌ إِلاَّ مَالِكٌ وَمَنْ قَلَّدَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ سِلْعَةٍ لأَخَرَ بِثَمَنٍ يَحُدُّهُ لَهُ صَاحِبُهَا فَمَا اسْتَزَادَ عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ فَلِمُتَوَلِّي الْبَيْعِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثَّوْبَ فَيَقُولُ: بِعْهُ بِكَذَا فَمَا ازْدَدْت فَلَكَ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ. وَأَجَازَهُ شُرَيْحٌ، وَالْحَكَمُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَطَاءٌ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الثَّوْبَ أَوْ الشَّيْءَ فَيَقُولُ لَهُ: مَا ازْدَدْتَ عَلَى كَذَا أَوْ كَذَا فَهُوَ لَك. وبه إلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، كِلاَهُمَا عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ، وطَاوُوس. قال أبو محمد: هَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنْ بَاعَهُ الْمَأْمُورُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لأََنَّهَا وَكَالَةٌ فَاسِدَةٌ، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ إِلاَّ بِتَوَلِّي صَاحِبِهِ، أَوْ بِوَكَالَةٍ صَحِيحَةٍ وَإِلَّا فَهُوَ عَمَلٌ فَاسِدٌ. فَلَوْ قَالَ لَهُ: بِعْهُ بِكَذَا وَكَذَا، فَإِنْ أَخَذْت أَكْثَرَ فَهُوَ لَك فَلَيْسَ شَرْطًا وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَهِيَ عِدَّةٌ لاَ تَلْزَمُ، وَلاَ يُقْضَى بِهَا؛ لأََنَّهُ لاَ يَحِلُّ مَالٌ أُخِذَ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَالرِّضَا لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِمَعْلُومٍ، وَقَدْ يَبِيعُهُ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ لاَ تَطِيبُ بِهَا نَفْسُ صَاحِبِ السِّلْعَةِ إذَا عَلِمَ مِقْدَارَهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ مِنْ جُمْلَةٍ مُجْتَمِعَةٍ، لاَ بِعَدَدٍ، وَلاَ بِوَزْنٍ، وَلاَ بِكَيْلٍ كَمَنْ بَاعَ رِطْلاً، أَوْ قَفِيزًا، أَوْ صَاعًا، أَوْ مُدِّيًّا أَوْ أُوقِيَّةً مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ التَّمْرِ، أَوْ الْبُرِّ، أَوْ اللَّحْمِ، أَوْ الدَّقِيقِ، أَوْ كُلِّ مَكِيلٍ فِي الْعَالَمِ، أَوْ مَوْزُونٍ كَذَلِكَ. وَكَمَنْ بَاعَ ثَلاَثَةً مِنْ هَذِهِ الْبَيْضِ أَوْ أَرْبَعَةً، أَوْ أَيَّ عَدَدٍ كَانَ، أَوْ مِنْ كُلِّ مَا يُعَدُّ، أَوْ كَمَنْ بَاعَ ذِرَاعًا أَوْ ذِرَاعَيْنِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا يُذْرَعُ سَوَاءٌ اسْتَوَتْ أَبْعَاضُ كُلِّ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَسْتَوِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ أَوَّلاً الْمُسَاوَمَةُ، فَإِذَا تَرَاضَيَا: كَالَ أَوْ وَزَنَ، أَوْ ذَرَعَ، أَوْ عَدَّ. فَإِذَا تَمَّ ذَلِكَ تَعَاقَدَ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ عَلَى تِلْكَ الْعَيْنِ الْمَكِيلَةِ أَوْ الْمَوْزُونَةِ، أَوْ الْمَذْرُوعَةِ، أَوْ الْمَعْدُودَةِ، ثُمَّ بَقِيَ التَّخْيِيرُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلآخَرِ فَيُمْضِي، أَوْ يَرُدُّ، أَوْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا بِزَوَالِ أَحَدِهِمَا عَنْ الآخَرِ كَمَا قَدَّمْنَا قَبْلُ. فَلَوْ تَعَاقَدَا الْبَيْعَ قَبْلَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْكَيْلِ، أَوْ الْوَزْنِ، أَوْ الْعَدِّ، أَوْ الذَّرْعِ: لَمْ يَكُنْ بَيْعًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَأَجَازَهُ الْمَالِكِيُّونَ فِيمَا اسْتَوَتْ أَبْعَاضُهُ: كَالدَّقِيقِ وَاللَّحْمِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَمْ يُجِيزُوهُ فِيمَا اخْتَلَفَتْ أَبْعَاضُهُ: كَالْبِطِّيخِ، وَالْقِثَّاءِ، وَالْبَيْضِ، وَالْجَوَارِي، وَالْحِيتَانِ، وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَالْجَوْهَرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْعَ ثَوْبٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ مِنْ ثَوْبَيْنِ أَوْ مِنْ ثَلاَثَةٍ يَخْتَارُهُ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يُجِزْهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَثْوَابٍ وَهَذَا تَخْلِيطٌ نَاهِيَك بِهِ برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وبرهان آخَرُ وَهُوَ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَلاَ غَرَرَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ لاَ يَدْرِي الْبَائِعُ أَيَّ شَيْءٍ هُوَ الَّذِي بَاعَ، وَلاَ يَدْرِي الْمُشْتَرِي أَيَّ شَيْءٍ اشْتَرَى، وَهَذَا حَرَامٌ بِلاَ شَكٍّ. وبرهان ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا فِيمَنْ عَقَدَ مَعَ آخَرَ بَيْعًا عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ، أَوْ هَذِهِ الْأُخْرَى، أَوْ اشْتَرَى مِنْهُ أَمَّا هَذِهِ الْجِهَاتُ، أَوْ هَذِهِ الْأُخْرَى: فَإِنَّهُ بَيْعٌ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ لاَ يَحِلُّ، وَهَذَا نَفْسُهُ هُوَ الَّذِي أَجَازُوا هَهُنَا، لاَ نَقُولُ: إنَّهُ تَشْبِيهٌ، بَلْ نَقُولُ: هُوَ نَفْسُهُ، وَلاَ بُدَّ. وبرهان رَابِعٌ: وَهُوَ أَنَّ السَّلَمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ لاَ يَجُوزُ حَالًّا، وَالسَّلَمُ عِنْدَهُمْ إنَّمَا هُوَ يُعْقَدُ عَلَى ذَرْعٍ مَا، أَوْ عَدَدٍ مَا، أَوْ كَيْلٍ مَا، أَوْ وَزْنٍ مَا، وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ، وَلاَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّينَ فِي بَعْضِ صُبْرَةٍ بِعَيْنِهَا، وَهَذَا هُوَ نَفْسُهُ الَّذِي مَنَعُوا مِنْهُ وَقَوْلُنَا هَهُنَا: هُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا، وَمَا نَعْلَمُ لِلْمُخَالِفِينَ حُجَّةً أَصْلاً، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ نَذْكُرُهُ الآنَ، مِنْ قَوْلِ مُتَقَدِّمٍ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ، وَلاَ مِنْ تَوَرُّعٍ أَصْلاً. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا: إجَازَةُ الْحَنَفِيِّينَ هَذَا الْبَيْعَ، وَمَنْعُهُمْ مِنْ بَيْعِ ذِرَاعٍ مِنْ هَذَا الثَّوْبِ، مَحْدُودِ هَذِهِ الْجِهَةِ، إمَّا فِي ذِرَاعٍ، وَأَمَّا فِي عَرْضِ الثَّوْبِ، أَوْ فِي طُولِهِ: فَأَجَازُوا الْمَجْهُولَ، وَالْمُنْكَرَ، وَمَنَعُوا الْمَعْرُوفَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْمَرْءِ جُمْلَةً مَجْمُوعَةً إِلاَّ كَيْلاً مُسَمًّى مِنْهَا، أَوْ إِلاَّ وَزْنًا مُسَمًّى مِنْهَا، أَوْ إِلاَّ عَدَدًا مُسَمًّى مِنْهَا، أَيَّ شَيْءٍ كَانَ. وَكَذَلِكَ لاَ يَحِلُّ أَنْ يَبِيعَ هَذَا الثَّوْبَ أَوْ هَذِهِ الْخَشَبَةَ إِلاَّ ذَرْعًا مُسَمًّى مِنْهَا. وَكَذَلِكَ لاَ يَحِلُّ بَيْعُ الثَّمَرَةِ بَعْدَ طِيبِهَا وَاسْتِثْنَاءُ مَكِيلَةٍ مُسَمَّاةٍ مِنْهَا، أَوْ وَزْنٍ مُسَمًّى مِنْهَا، أَوْ عَدَدٍ مُسَمًّى مِنْهَا أَصْلاً، قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ. وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ نَخْلٍ مِنْ أُصُولِهَا، أَوْ ثَمَرَتِهَا، عَلَى أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهَا نَخْلَةً بِغَيْرِ عَيْنِهَا، لَكِنْ يَخْتَارُهَا الْمُشْتَرِي هَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، مَحْكُومٌ فِيمَا قَبَضَ مِنْهُ كُلِّهِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ وَإِنَّمَا الْحَلاَلُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْ الْجُمْلَةِ إنْ شَاءَ أَيَّ جُمْلَةٍ كَانَتْ: حَيَوَانًا، أَوْ غَيْرَهُ، أَوْ مِنْ الثَّمَرَةِ: نِصْفَ كُلِّ ذَلِكَ مُشَاعًا، أَوْ ثُلُثَيْ كُلِّ ذَلِكَ، أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ؛ جُزْءًا مُسَمًّى مَنْسُوبًا مُشَاعًا فِي الْجَمِيعِ. أَوْ يَبِيعُ جُزْءًا كَذَلِكَ مِنْ الْجُمْلَةِ مُشَاعًا، أَوْ يَسْتَثْنِي مِنْهَا عَيْنًا مُعَيَّنَةً مَحُوزَةً كَثُرَتْ أَوْ قَلَّتْ فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لاَ خِلاَفَ مِنْ أَحَدٍ فِي جَوَازِهِ، إِلاَّ فِي مَكَان وَاحِدٍ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَجَازَ مَالِكٌ بَيْعَ مِائَةِ نَخْلَةٍ يُسْتَثْنَى مِنْهَا عَشْرُ نَخَلاَتٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، وَكَذَلِكَ مِنْ الْغَنَمِ، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْكَثِيرِ وَأَجَازَ بَيْعَ الثَّمَرَةِ وَاسْتِثْنَاءَ مَكِيلَةٍ مِنْهَا تَكُونُ الثُّلُثَ فَأَقَلَّ، فَإِنْ اسْتَثْنَى أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ. وقال مالك: إنْ ابْتَاعَ ثَمَرَ أَرْبَعِ نَخَلاَتٍ مِنْ حَائِطٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا لَكِنْ يَخْتَارُهَا الْمُبْتَاعُ لَمْ يَجُزْ، فَلَوْ ابْتَاعَهَا كَذَلِكَ بِأُصُولِهَا جَازَ، إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا ثَمَرٌ كَالْعُرُوضِ. وَأَجَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ وَيَسْتَثْنِيَ مِنْهُ ثَمَرَ أَرْبَعِ نَخَلاَتٍ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، لَكِنْ يَخْتَارُهَا الْبَائِعُ: أَجَازَ هَذَا بَعْدَ أَنْ تَوَقَّفَ فِيهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَأَجَازَ ذَلِكَ فِي الْغَنَمِ وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي النَّخْلِ قَالَ: فَإِنْ وَقَعَ أَجَزْته لِقَوْلِ مَالِكٍ قال أبو محمد: فِي هَذِهِ الأَقْوَالِ عِبْرَةٌ لِمَنْ اعْتَبَرَ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي فِي اخْتِيَارِ الثَّمَرِ، وَمِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ اخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي لِثَمَرِ أَرْبَعِ نَخَلاَتٍ فَمَنَعَ مِنْهُ، وَبَيْنَ اخْتِيَارِ الْبَائِعِ لَهُ فَأَجَازَهُ. وَلَيْتَ شِعْرِي مَا قَوْلُهُ فِي سِتِّ نَخَلاَتٍ أَوْ سَبْعٍ، وَنَزِيدُهُ هَكَذَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فأما يَتَمَادَى عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَأَمَّا يَمْنَعُ، فَيُكَلَّفُوا الْبُرْهَانَ عَلَى مَا حَرَّمُوا وَمَا حَلَّلُوا، أَوْ يَتَحَيَّرُوا فَلاَ يَدْرُوا مَا يُحَلِّلُونَ وَمَا يُحَرِّمُونَ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ ضَرُورَةً. ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَمَّا أَجَازُوا فِي الأَرْبَعِ نَخَلاَتٍ، فَنَقُولُ: أَتُجِيزُونَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَائِطِ إِلاَّ خَمْسُ نَخَلاَتٍ فَإِنْ أَجَازُوا، سَأَلْنَاهُمْ مِنْ أَيْنَ خَصُّوا الأَرْبَعَ نَخَلاَتٍ بِالْإِجَازَةِ دُونَ مَا هُوَ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ فَإِنْ مَنَعُوا زِدْنَاهُمْ فِي عَدَدِ نَخْلِ الْحَائِطِ نَخْلَةً نَخْلَةً وَهَذِهِ تَخَالِيطُ لاَ نَظِيرَ لَهَا وَهَذَا يُبْطِلُ دَعْوَاهُمْ فِي عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، إذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ عَمَلاً ظَاهِرًا مَا احْتَاجَ إلَى أَنْ يَتَوَقَّفَ فِيهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَإِنَّ فِي إجَازَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْعَمَلَ الَّذِي مَنَعَ مِنْهُ إنْ وَقَعَ مِنْ أَجْلِ إجَازَةِ مَالِكٍ لَهُ لَعَجَبًا. وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى عَظِيمِ نِعْمَتِهِ عَلَيْنَا فِي تَيْسِيرِنَا لِطَاعَةِ كَلاَمِهِ، وَكَلاَمِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَنْفِيرِنَا عَنْ تَقْلِيدِ مَا دُونَ ذَلِكَ حَمْدًا كَثِيرًا كَمَا هُوَ أَهْلُهُ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، فَإِنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ هَذَا كُلِّهِ. قال أبو محمد: وَتَنَاقَضُوا هَهُنَا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ؛ لأََنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ مَا حَرَّمُوا هَهُنَا مِنْ بَيْعِ جُمْلَةٍ وَاسْتِثْنَاءِ مِقْدَارٍ مِنْهَا بِغَيْرِ عَيْنِهِ، وَبَيْنَ مَا أَجَازُوا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ مِنْ بَيْعِ بَعْضِ جُمْلَةٍ بِكَيْلٍ أَوْ بِوَزْنٍ، أَوْ بِعَدَدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَهُوَ ذَلِكَ نَفْسُهُ وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى السَّلاَمَةِ، وَكِلاَ الأَمْرَيْنِ بَيْعُ بَعْضِ جُمْلَةٍ وَإِمْسَاكُ بَعْضِهَا، وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ، وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ. وَأَمَّا الْمَكَانُ الَّذِي اُخْتُلِفَ فِيهِ مِمَّا ذَكَرْنَا، فَإِنَّ الْمَالِكِيِّينَ مَنَعُوا مِنْ بَيْعِ جُمْلَةٍ إِلاَّ ثُلُثَيْهَا، وَقَالُوا: لاَ يَجُوزُ الأَسْتِثْنَاءُ إِلاَّ فِي الأَقَلِّ. قال علي: وهذا بَاطِلٌ؛ لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ مَا قَالُوهُ: لاَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ، وَلاَ لُغَةٌ أَصْلاً. وَأَيْضًا: فَإِنَّ اسْتِثْنَاءَ الأَكْثَرِ أَوْ الأَقَلِّ، إنَّمَا هُوَ مَنْعُ بَعْضِ الْجُمْلَةِ فَقَطْ دُونَ سَائِرِهَا، وَلاَ خِلاَفَ فِي جَوَازِ هَذَا، وَهُوَ الَّذِي مَنَعُوا مِنْهُ نَفْسُهُ بِعَيْنِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ سَأَلْت أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي مُوسَى عَنْ الرَّجُلِ يَبِيعُ بَيْعًا وَيَسْتَثْنِي نِصْفَهُ فَكَرِهَهُ الْحَجَّاجُ هَالِكٌ. وَمِنْ طَرِيق حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ قَالَ: إذَا اسْتَثْنَى الْبَائِعُ نِصْفًا وَنَقَدَ الْمُشْتَرِيَ نِصْفًا، فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ، وَالأَعْمَشِ، كِلاَهُمَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ وَيَسْتَثْنِيَ نِصْفَهَا. قال أبو محمد: برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا هَهُنَا هِيَ الْبَرَاهِينُ الَّتِي أَوْرَدْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ، وَهَهُنَا برهان زَائِدٌ: وَهُوَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ أَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الثُّنْيَا حَتَّى تُعْلَمَ. فَصَحَّ أَنَّ الأَسْتِثْنَاءَ لاَ يَحِلُّ إِلاَّ مَعْلُومًا مِنْ مَعْلُومٍ. فإن قيل: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُعَاوَمَةِ، وَالْمُخَابَرَةِ. قَالَ أَحَدُهُمَا: بَيْعُ السِّنِينَ، وَهِيَ الْمُعَاوَمَةُ، وَهِيَ الثُّنْيَا. قلنا: هَذَا تَفْسِيرُ لاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ لأََنَّهُ مِنْ كَلاَمِ أَبِي الزُّبَيْرِ وَرَأْيِهِ، أَوْ كَلاَمِ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ وَرَأْيِهِ، وَلاَ حُجَّةَ فِي كَلاَمِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالثُّنْيَا: لَفْظَةٌ مَعْرُوفَةٌ عَرَبِيَّةٌ، قَالَ تَعَالَى: قال أبو محمد: وَقَدْ جَاءَتْ فِي الثُّنْيَا آثَارٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، كِلاَهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: مَا كُنَّا نَرَى بِالثُّنْيَا بَأْسًا لَوْلاَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَرِهَهَا، وَكَانَ عِنْدنَا مَرْضِيَّا قَالَ ابْنِ عُلَيَّةَ: لَوْلاَ ابْنُ عَوْنٍ: فَتَحَدَّثْنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لاَ أَبِيعُ هَذِهِ النَّخْلَةَ، وَلاَ هَذِهِ النَّخْلَةَ. قَالَ عَلِيٌّ: سَمِعَ ابْنُ عَوْنٍ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: يُكْرَهُ أَنْ يَبِيعَ النَّخْلَ وَيَسْتَثْنِيَ مِنْهُ كَيْلاً مَعْلُومًا قَالَ سُفْيَانُ: وَلَكِنْ يَسْتَثْنِي هَذِهِ النَّخْلَةَ، وَهَذِهِ النَّخْلَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَنَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الثُّنْيَا فَكَرِهَهَا إِلاَّ أَنْ يَسْتَثْنِيَ نَخَلاَتٍ مَعْلُومَاتٍ، قَالَ عَمْرٌو: وَنَهَانِي سَعِيدٌ أَنْ أَبْرَأَ مِنْ الصَّدَقَةِ إذَا بَايَعْت. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَبِيعُ ثَمَرَةَ أَرْضِي وَاسْتَثْنِي قَالَ: لاَ تَسْتَثْنِ إِلاَّ شَجَرًا مَعْلُومًا، وَلاَ تَبْرَأَنَّ مِنْ الصَّدَقَةِ قَالَ أَيُّوبُ فَذَكَرْته لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قُلْت لأَِبْرَاهِيمَ: أَبِيعُ الشَّاةَ وَاسْتَثْنِي بَعْضَهَا قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ قُلْ: أَبِيعُك نِصْفَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِبَيْعِ السِّلْعَةِ وَيَسْتَثْنِي نِصْفَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ يُونُسَ عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ بَاعَ ثَمَرَةَ أَرْضِهِ فَاسْتَثْنَى كُرًّا قَالَ: كَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَعْلَمَ نَخْلاً. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ يَزِيدَ، هُوَ ابْنُ إبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَتَهُ وَيَسْتَثْنِيَ نِصْفَهَا، ثُلُثَهَا، رُبْعَهَا. قال أبو محمد: وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ سَمِعْت الزُّبَيْرَ بْنِ عَدِيٍّ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ وَهُوَ يَبِيعُ ثَمَرَةً لَهُ فَقَالَ: أَبِيعُكُمُوهَا بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ وَطَعَامِ الْفِتْيَانِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَتَهُ وَيَسْتَثْنِيَ مِنْهَا مَكِيلَةً مَعْلُومَةً. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ جَدَّهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو بَاعَ ثَمَرَ حَائِطٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ: الأَفْرَاقُ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ تَمْرًا وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا. فَالرِّوَايَةُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهَا؛ لأََنَّ طَعَامَ الْفِتْيَانِ إنْ كَانَ مُسْتَثْنًى مِنْ الثَّمَرَةِ فَهُوَ مَجْهُولٌ، لاَ يُدْرَى مَا يَكُونُ نَوْعُهُ، وَلاَ مِقْدَارُ مَا يَكُونُ، فَإِنْ كَانَ مُضَافًا عَلَى الْمُشْتَرِي إلَى الثَّمَنِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا. وَالْمَالِكِيُّونَ لاَ يُجِيزُونَ شَيْئًا مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَقَدْ خَالَفُوهُ، وَالصَّحِيحُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِنَا كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا. وَأَمَّا حَدِيثُ سَالِمٍ فَلَمْ يَخُصَّ ثُلُثًا مِنْ أَقَلَّ، وَلاَ أَكْثَرَ. وَالْمَالِكِيُّونَ لاَ يُجِيزُونَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَقَدْ خَالَفُوهُ. وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَإِنَّمَا اسْتَثْنَى مِنْ ثَمَرٍ بَاعَهُ بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ تَمْرًا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَهُمْ الْخُمُسُ، فَإِنَّمَا اسْتَثْنَى خُمُسَ مَا بَاعَ، وَهَذَا جَائِزٌ حَسَنٌ فَلاَحَ أَنَّهُ لاَ سَلَفَ لَهُمْ أَصْلاً فِيمَا قَالُوهُ ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِّينَا الْمَنْعَ مِنْ الأَسْتِثْنَاءِ جُمْلَةً كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ أَبِي الْجَارُودِ قَالَ: سَأَلْت جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ عَمَّنْ بَاعَ شَيْئًا وَاسْتَثْنَى بَعْضًا قَالَ: لاَ يَصْلُحُ ذَلِكَ. قال أبو محمد: إنْ كَانَ عَنَى مَجْهُولاً فَصَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ عَنَى جُمْلَةَ الأَسْتِثْنَاءِ فَخَطَأٌ؛ لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ الثُّنْيَا إذَا عُلِمَتْ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَهُ عليه السلام. وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنَّ يَبِيعَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الْمَالِ لَهُ فِي بَيْعِهِ، فَإِنْ وَقَعَ فُسِخَ أَبَدًا سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ حَاضِرًا يَرَى ذَلِكَ أَوْ غَائِبًا، وَلاَ يَكُونُ سُكُوتُهُ رِضًا بِالْبَيْعِ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَمْ قَصُرَتْ وَلَوْ بَعْدَ مِائَةَ عَامٍ أَوْ أَكْثَرَ، بَلْ يَأْخُذُ مَالَهُ أَبَدًا هُوَ وَوَرَثَتُهُ بَعْدَهُ. وَلاَ يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُمْضِيَ ذَلِكَ الْبَيْعَ أَصْلاً إِلاَّ أَنْ يَتَرَاضَى هُوَ وَالْمُشْتَرِي عَلَى ابْتِدَاءِ عَقْدِ بَيْعٍ فِيهِ وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى مَنْ قَبَضَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ. وَكَذَلِكَ لاَ يُلْزِمُ أَحَدًا شِرَاءَ غَيْرِهِ لَهُ لاَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ اشْتَرَى لَهُ دُونَ أَمْرِهِ فَالشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي، وَلاَ يَكُونُ لِلَّذِي اشْتَرَاهُ لَهُ أَرَادَ كَوْنَهُ لَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْ إِلاَّ بِابْتِدَاءِ عَقْدِ شِرَاءٍ مَعَ الَّذِي اشْتَرَاهُ، إِلاَّ الْغَائِبَ الَّذِي يُوقِنُ بِفَسَادِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَسَادًا يَتْلَفُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُشَاوِرَ، فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ لَهُ الْحَاكِمُ أَوْ غَيْرُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَيَشْتَرِي لأََهْلِهِ مَا لاَ بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ وَيَجُوزُ ذَلِكَ أَوْ مَا بِيعَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ وَاجِبٍ لِيَنْتَصِفَ غَرِيمٌ مِنْهُ، أَوْ فِي نَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، فَهَذَا لاَزِمٌ لَهُ حَاضِرًا كَانَ أَوْ غَائِبًا، رَضِيَ أَمْ سَخِطَ. برهان ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَالثَّانِي: الْبِكْرُ فِي نِكَاحِهَا لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ فَقَطْ وَأَمَّا كُلُّ مَنْ عَدَا مَا ذَكَرْنَا فَلاَ يَكُونُ سُكُوتُهُ رِضًا حَتَّى يُقِرَّ بِلِسَانِهِ بِأَنَّهُ رَاضٍ بِهِ مُنَفِّذٌ. وَيُسْأَلُ مَنْ قَالَ: إنَّ سُكُوتَ مَنْ عَدَا هَذَيْنِ رِضًا: مَا الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِكُمْ: إنَّ الرِّضَا يَكُونُ بِالسُّكُوتِ، وَإِنَّ الْإِنْكَارَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالْكَلاَمِ وَمِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ ذَلِكَ فَإِنْ ادَّعَوْا نَصًّا، كَذَبُوا، وَإِنْ ادَّعَوْا عِلْمَ ضَرُورَةٍ، كَابَرُوا؛ لأََنَّ جُمْهُورَ النَّاسِ مُخَالِفُونَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ الضَّرُورَةَ الَّتِي يَدَّعُونَ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ دَعْوَاهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ عِلْمَ الضَّرُورَةِ هَهُنَا وَبَيْنَ دَعْوَى غَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ عِلْمَ الضَّرُورَةِ فِي بُطْلاَنِ ذَلِكَ، وَفِي أَنَّ الْإِنْكَارَ يَكُونُ بِالسُّكُوتِ، وَأَنَّ الرِّضَا لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالْكَلاَمِ فَبَطَلَتْ الدَّعْوَتَانِ لِتَعَارُضِهِمَا، وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنَّ السَّاكِتَ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ رَاضِيًا، وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ رَاضٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ، وَالرِّضَا يَكُونُ بِالسُّكُوتِ وَبِالْكَلاَمِ، وَالْإِنْكَارُ يَكُونُ بِالسُّكُوتِ وَبِالْكَلاَمِ. فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ الظَّنُّ فَقَطْ، وَلاَ تَحِلُّ الأَمْوَالُ الْمُحَرَّمَةُ بِالظَّنِّ. قَالَ تَعَالَى: وقال أبو حنيفة، وَأَصْحَابُهُ: مَنْ بَاعَ مَالَ آخَرَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ إجَازَةُ ذَلِكَ أَوْ رَدُّهُ وَاحْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي الَّذِي اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ فَأَعْطَيْتُهُ فَأَبَى، فَعَمَدْتُ إلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَعْطِنِي حَقِّي فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا فَقَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي قُلْتُ: مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، وَلَكِنَّهَا لَكَ فَذَكَرَ الْخَبَرَ، وَأَنَّ اللَّهَ فَرَّجَ عَنْهُمْ الصَّخْرَةَ الْمُطْبِقَةَ عَلَى فَمِ الْغَارِ. فَإِنَّ هَذَا خَبَرٌ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ، بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَمُبْطِلٌ لِقَوْلِهِمْ: فَأَوَّلُهَا: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِيمَنْ قَبْلَنَا، وَلاَ تَلْزَمُنَا شَرَائِعُهُمْ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْإِجَارَةَ كَانَتْ بِفَرَقِ ذُرَةٍ بِعَيْنِهِ، بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ بِفَرَقِ ذُرَةٍ فِي الذِّمَّةِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَمْ يَبِعْ لَهُ شَيْئًا، بَلْ بَاعَ مَالَهُ ثُمَّ تَطَوَّعَ بِمَا أَعْطَاهُ وَهَذَا حَسَنٌ، وَهُوَ قَوْلُنَا. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ فَرَقًا بِعَيْنِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ فِي الإِسْلاَمِ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لأََنَّهُ أَعْطَاهُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ فَرَضِيَ وَأَبْرَأَهُ مِنْ عَيْنِ حَقِّهِ، وَكِلاَهُمَا مُتَبَرِّعٌ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا حَسَنٌ جِدًّا. وَأَمَّا كَوْنُهُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ فَإِنَّ فِيهِ: أَنَّهُ عَرَضَ عَلَيْهِ حَقَّهُ فَأَبَى مِنْ أَخْذِهِ وَتَرَكَهُ وَمَضَى فَعَلَى أَصْلِهِمْ قَدْ بَطَلَ حَقُّهُ، إذْ سَكَتَ عَنْ أَخْذِهِ، فَلاَ طَلَبَ لَهُ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَاحْتَجُّوا: بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ غَرْقَدَةَ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً قَالَ: فَاشْتَرَيْتُ لَهُ شَاتَيْنِ فَبَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ أَنَا أَبُو الْمُنْذِرِ أَنَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ أَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي لَبِيدٍ عَنْ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ فَذَكَرَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ لِيَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً بِدِينَارٍ فَاشْتَرَاهَا ثُمَّ بَاعَهَا بِدِينَارَيْنِ فَاشْتَرَى شَاةً بِدِينَارٍ وَجَاءَ بِدِينَارٍ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَرَكَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالدِّينَارِ. هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، وَكُلُّهُ لاَ شَيْءَ. أَمَّا حَدِيثُ حَكِيمٍ: فَعَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ مِنْ النَّاسِ، وَالْحُجَّةُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ تَقُومُ بِمِثْلِ هَذَا. وَأَمَّا حَدِيثُ عُرْوَةَ فَأَحَدُ طَرِيقَيْهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَخِي حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَفِيهِ أَيْضًا أَبُو لَبِيدٍ وَهُوَ لُمَازَةُ بْنُ زَبَّارٍ وَلَيْسَ بِمَعْرُوفِ الْعَدَالَةِ، وَالطَّرِيقُ الْأُخْرَى مُعْتَلَّةٌ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الصِّحَّةَ، وَهِيَ أَنَّ شَبِيبَ بْنَ غَرْقَدَةَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُرْوَةَ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، أَخْبَرَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ حَدَّثَنِي الْحَيُّ عَنْ عُرْوَةَ يَعْنِي ابْنَ الْجَعْدِ الْبَارِقِيَّ قَالَ: أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً أَوْ شَاةً فَاشْتَرَى اثْنَتَيْنِ فَبَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ فَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فَحَصَلَ مُنْقَطِعًا فَبَطَلَ الأَحْتِجَاجُ بِهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ حَدِيثُ حَكِيمٍ، وَعُرْوَةَ: لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِمَا حُجَّةٌ؛ لأََنَّهُ إذْ أَمَرَهُ عليه السلام أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ شَاةً فَاشْتَرَى لَهُ شَاتَيْنِ، صَارَ الشِّرَاءُ لِعُرْوَةِ بِلاَ شَكٍّ؛ لأََنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى كَمَا أَرَادَ لاَ كَمَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ وَزْنُ دِينَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَّا مُسْتَقْرَضًا لَهُ لِيَرُدَّهُ، وَأَمَّا مُتَعَدِّيًا فَصَارَ الدِّينَارُ فِي ذِمَّتِهِ بِلاَ شَكٍّ، ثُمَّ بَاعَ شَاةَ نَفْسِهِ بِدِينَارٍ فَصَرَفَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا لَزِمَهُ وَأَهْدَى إلَيْهِ الشَّاةَ، فَهَذَا كُلُّهُ هُوَ ظَاهِرُ الْخَبَرِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَصْلاً لاَ بِنَصِّ، وَلاَ بِدَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الشِّرَاءَ جَوَّزَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْتَزَمَهُ، فَلاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِمَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ. وَأَمَّا خَبَرُ حَكِيمٍ فَإِنَّهُ تَعَدَّى فِي بَيْعِ الشَّاةِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهَا، فَابْتَاعَهَا بِدِينَارٍ كَمَا أَمَرَ وَفَضَلَ دِينَارٌ، فَأَمَرَهُ عليه السلام بِالصَّدَقَةِ إذْ لَمْ يُعْرَفْ صَاحِبُهُ. قال أبو محمد: ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ فَنَقُولُ: أَخْبِرُونَا هَلْ مَلَكَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى وَمَلَكَ صَاحِبُ الشَّيْءِ الْمَبِيعِ الثَّمَنَ بِذَلِكَ الْعَقْدِ أَمْ لاَ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا. فَإِنْ قَالُوا: لاَ، وَهُوَ الْحَقُّ، وَهُوَ قَوْلُنَا، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ لاَ يَصِحَّ عَقْدٌ حِينَ عَقْدِهِ ثُمَّ يَصِحُّ فِي غَيْرِ حِينِ عَقْدِهِ، إِلاَّ أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ الَّذِي لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، فَنَسْمَعُ وَنُطِيعُ اللَّهَ تَعَالَى. وَأَمَّا مَنْ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ فَلاَ يُقْبَلُ مِنْهُ مِثْلُ هَذَا أَصْلاً إذْ لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى قَبُولَهُ مِنْهُ. وَإِنْ قَالُوا: قَدْ مَلَكَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى، وَمَلَكَ الَّذِي لَهُ الشَّيْءُ الْمَبِيعُ الثَّمَنَ. قلنا: فَمِنْ أَيْنَ جَعَلْتُمْ لَهُ إبْطَالَ عَقْدٍ قَدْ صَحَّ بِغَيْرِ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ وَهَذَا لاَ يَحِلُّ؛ لأََنَّهُ تَحَكُّمٌ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى. وقولنا في هذا هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، رُوِّينَا عَنْهُ: أَنَّ مَنْ بِيعَتْ دَارُهُ وَهُوَ سَاكِتٌ فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ حَتَّى يَرْضَى أَوْ يَأْمُرَ أَوْ يَأْذَنَ فِي بَيْعِ دَارِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، إِلاَّ أَنَّهُ اخْتَلَفَ عَنْهُ فِيمَنْ بِيعَ مَالُهُ فَعَلِمَ بِذَلِكَ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَلاَ بُدَّ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُجِيزَ ذَلِكَ إنْ شَاءَ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي أَنَّ السُّكُوتَ لَيْسَ رِضًا أَصْلاً. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ: فَإِنَّ السُّكُوتَ عِنْدَهُ لاَ يَكُونُ إقْرَارًا إِلاَّ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا: مَنْ رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي كَمَا يَفْعَلُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَيَسْكُتُ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَصِيرُ بِذَلِكَ مَأْذُونًا لَهُ. وَالشُّفْعَةُ: يَعْلَمُهَا الشَّفِيعُ فَيَسْكُتُ، وَلاَ يَشْهَدُ عَلَى أَنَّهُ طَالِبٌ لَهَا، فَسُكُوتُهُ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِ فِي الطَّلَبِ. وَالْإِنْسَانُ يُبَاعُ وَهُوَ حَاضِرٌ عَالِمٌ بِذَلِكَ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: قُمْ مَعَ مَوْلاَك فَيَقُومُ، فَهَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ بِالرِّقِّ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ. وَالْبَائِعُ لِلشَّيْءِ بِثَمَنٍ حَالٍّ فَيَقْبِضُهُ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ سَاكِتٌ، فَهَذَا إذْنٌ مِنْهُ فِي الْقَبْضِ وَالْبِكْرُ فِي النِّكَاحِ. قال أبو محمد: هَذِهِ الأَرْبَعَةُ وُجُوهٍ: بَاطِلٌ، وَتَخْلِيطٌ، وَدَعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ، وَلاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قَوْلِ مُتَقَدِّمٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ سَدِيدٍ يُفَرِّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَإِنَّ الْقَوْلَ لاَ يَحِلُّ بِهِ. وَأَمَّا مَالِكٌ: فَإِنَّهُ قَالَ: " مَنْ رَأَى مَالَهُ يُبَاعُ فَسَكَتَ فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ أَمَةً كَانَتْ الْمَبِيعَةُ أَوْ عَبْدًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَمَنْ غُصِبَ مَالُهُ فَمَاتَ الْغَاصِبُ فَرَأَى مَالَهُ يُقَسَّمُ فَسَكَتَ، فَإِنَّ حَقَّهُ قَدْ بَطَلَ. وَمَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ فَسَكَتَ، فَقَدْ لَزِمَهُ مَا اُدُّعِيَ بِهِ عَلَيْهِ. وَلَمْ يَرَ السُّكُوتَ عَنْ طَلَبِ الدَّيْنِ وَإِنْ رَآهُ يُقْسِمُ مُسْقِطًا لَحَقِّهِ فِي الطَّلَبِ، وَلاَ رَأَى السُّكُوتَ عَنْ طَلَبِ الشُّفْعَةِ رِضًا بِإِسْقَاطِهَا إِلاَّ حَتَّى تَمْضِيَ لَهُ سَنَةٌ، فَسُكُوتُهُ بَعْدَ السَّنَةِ رِضًا بِإِسْقَاطِهَا عِنْدَهُ. وَلَمْ يَرَ سُكُوتَ مَنْ تَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ بِحَضْرَتِهِ طَلاَقًا، وَلاَ أَنَّهَا بَانَتْ عَنْهُ بِذَلِكَ وَهَذِهِ مُنَاقَضَاتٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا، لاَ مِنْ نَصٍّ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ أَحَدٍ تَقَدَّمَهُ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ، وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ. وأعجب ذَلِكَ: أَنَّهُ لَمْ يَرَ سُكُوتَ الْبِكْرِ الْعَانِسِ رِضًا بِالنِّكَاحِ إِلاَّ حِينَ تَنْطِقُ بِالرِّضَا وَهَذَا خِلاَفُ النَّصِّ جِهَارًا. وَرَأَى عَلَى مَنْ رَأَى دَارِهِ تُبْنَى وَتُهْدَمُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا أَجْنَبِيٌّ فَسَكَتَ عَشْرَ سِنِينَ فَأَكْثَرَ أَنَّهَا قَدْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِذَلِكَ وَإِنْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِذَلِكَ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي سُكُوتِهِ سَبْعَ سِنِينَ، أَوْ ثَمَانِي سِنِينَ، أَوْ تِسْعَ سِنِينَ، فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ قَطْعٌ لِحَقِّهِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ قَطْعًا لِحَقِّهِ " وَلَمْ يَرَ سُكُوتَ، الْمَرْءِ عَنْ ذَلِكَ لِبَعْضِ أَقَارِبِهِ قَطْعًا لِحَقِّهِ إِلاَّ بَعْدَ سَبْعِينَ سَنَةً وَهَذِهِ أَقْوَالٌ كَمَا تَرَى نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا، فَفِيهَا إبَاحَةُ الأَمْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ جُزَافًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ لاَ يَدْرِي بَائِعُهُ مَا هُوَ وَإِنْ دَرَاهُ الْمُشْتَرِي، وَلاَ مَا لاَ يَدْرِي الْمُشْتَرِي مَا هُوَ وَإِنْ دَرَاهُ الْبَائِعُ، وَلاَ مَا جَهِلاَهُ جَمِيعًا. وَلاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ إِلاَّ حَتَّى يَعْلَمَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مَا هُوَ، وَيَرَيَاهُ جَمِيعًا، أَوْ يُوصَفُ لَهُمَا عَنْ صِفَةِ مَنْ رَآهُ وَعِلْمِهِ كَمَنْ اشْتَرَى زُبْرَةً يَظُنُّهَا قَزْدِيرًا فَوَجَدَهَا فِضَّةً، أَوْ فَصًّا لاَ يَدْرِي أَزُجَاجٌ هُوَ أَمْ يَاقُوتٌ فَوَجَدَهُ يَاقُوتًا أَمْ زُمُرُّدًا أَوْ زُجَاجًا وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَسَوَاءٌ وَجَدَهُ أَعْلَى مِمَّا ظَنَّ أَوْ أَدْنَى، أَوْ الَّذِي ظَنَّ: كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، لاَ يَجُوزُ لَهُمَا تَصْحِيحُهُ بَعْدَ عِلْمِهِمَا بِهِ إِلاَّ بِابْتِدَاءِ عَقْدِ رِضَاهُمَا مَعًا، وَإِلَّا فَلاَ وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى مَنْ قَبَضَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَأَيْضًا: فَهُوَ بَيْعُ غَرَرٍ؛ لأََنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا ابْتَاعَ، وَلاَ مَا بَاعَ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَهَذَا أَعْظَمُ الْغَرَرِ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ مَالِكٍ إجَازَةَ هَذَا الْبَيْعِ وَهُوَ قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلاً. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا إجَازَتُهُ هَذَا الْبَيْعَ الْفَاسِدَ، وَمَنْعَهُ مِنْ بَيْعِ صُبْرَةٍ مَرْئِيَّةٍ مُحَاطٍ بِهَا عَلِمَ الْبَائِعُ مَكِيلَتَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي مَكِيلَتَهَا وَهَذَا عَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُسَاوِي، وَلاَ بِأَقَلَّ مِمَّا يُسَاوِيَ إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي السَّلاَمَةَ إِلاَّ بِمَعْرِفَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مَعًا بِمِقْدَارِ الْغَبْنِ فِي ذَلِكَ وَرِضَاهُمَا بِهِ، فَإِنْ اشْتَرَطَ أَحَدُهُمَا السَّلاَمَةَ وَوَقَعَ الْبَيْعُ كَمَا ذَكَرنَا، وَلَمْ يَعْلَمَا قَدْرَ الْغَبْنِ، أَوْ عَلِمَهُ، غَيْرُ الْمَغْبُونِ مِنْهُمَا وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْمَغْبُونُ: فَهُوَ بَيْعٌ بَاطِلٌ، مَرْدُودٌ، مَفْسُوخٌ، أَبَدًا، مَضْمُونٌ عَلَى مَنْ قَبَضَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ وَلَيْسَ لَهُمَا إجَازَتُهُ إِلاَّ بِابْتِدَاءِ عَقْدٍ. فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا السَّلاَمَةَ، وَلاَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ وُجِدَ غَبْنٌ عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِهِ، فَلِلْمَغْبُونِ إنْفَاذُ الْبَيْعِ أَوْ رَدُّهُ، فَإِنْ فَاتَ الشَّيْءُ الْمَبِيعُ رَجَعَ الْمَغْبُونُ مِنْهُمَا بِقَدْرِ الْغَبْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: لاَ يَجُوزُ رِضَاهُمَا بِالْغَبْنِ أَصْلاً. وقال أبو حنيفة، وَمَالِكٌ. وَالشَّافِعِيُّ: لاَ رُجُوعَ لِلْبَائِعِ، وَلاَ لِلْمُشْتَرِي بِالْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ كَثُرَ أَوْ قَلَّ. وَذَكَرَ ابْنُ الْقَصَّارِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ فِيهِ الْغَبْنُ مِقْدَارَ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ. برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَوْله تَعَالَى: وَقَالَ عليه السلام: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ قلنا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِلأَئِمَّةِ، وَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَنَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّجْشِ فِي الْبَيْعِ: برهان صَحِيحٌ عَلَى قَوْلِنَا هَهُنَا؛ لأََنَّهُ نَهَى بِذَلِكَ عَنْ الْغُرُورِ وَالْخَدِيعَةِ فِي الْبَيْعِ جُمْلَةً، بِلاَ شَكٍّ يَدْرِي النَّاسُ كُلُّهُمْ: أَنَّ مَنْ أَخَذَ مِنْ آخَرَ فِيمَا يَبِيعُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُسَاوِي بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُشْتَرِي، وَلاَ رِضَاهُ، وَمَنْ أَعْطَاهُ آخَرُ فِيمَا يَشْتَرِي مِنْهُ أَقَلَّ مِمَّا يُسَاوِي بِغَيْرِ عِلْمِ الْبَائِعِ، وَلاَ رِضَاهُ فَقَدْ غَشَّهُ وَلَمْ يَنْصَحْهُ، وَمَنْ غَشَّ وَلَمْ يَنْصَحْ فَقَدْ أَتَى حَرَامًا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ. فَصَحَّ أَنَّهُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِنَصِّ أَمْرِهِ عليه السلام، وَهُوَ قَوْلُ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ أَنَا أَيُّوبُ، وَهِشَامٌ، هُوَ ابْنُ حَسَّانٍ كُلُّهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ رَجُلاً قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِجَوَارٍ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ بَاعَ جَارِيَةً مِنْ ابْنِ جَعْفَرٍ، ثُمَّ جَاءَ الرَّجُلُ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ غُبِنْت بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَتَى ابْنُ عُمَرَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَقَالَ: إنَّهُ غُبِنَ بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فأما أَنْ تُعْطِيَهَا إيَّاهُ وَأَمَّا أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ بَيْعَهُ فَقَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: بَلْ نُعْطِيهَا إيَّاهُ فَهَذَا ابْنُ جَعْفَرٍ، وَابْنُ عُمَرَ: قَدْ رَأَيَا رَدَّ الْبَيْعِ مِنْ الْغَبْنِ فِي الْقِيمَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ: أَنَّهُ سَاوَمَ رَجُلاً بِفَرَسٍ فَسَامَهُ، فَسَامَهُ الرَّجُلُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ إنْ رَأَيْت ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ جَرِيرٌ: فَرَسُك خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَك سِتُّمِائَةٍ حَتَّى بَلَغَ ثَمَانَمِائَةٍ، وَهُوَ يَقُولُ: إنْ رَأَيْت ذَلِكَ فَقَالَ جَرِيرٌ: فَرَسُك خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَك سِتُّمِائَةٍ حَتَّى بَلَغَ سِتَّمِائَةٍ حَتَّى بَلَغَ ثَمَانَمِائَةٍ، وَهُوَ يَقُولُ: إنْ رَأَيْت ذَلِكَ فَقَالَ جَرِيرٌ: فَرَسُك خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ أَزِيدُك فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: خُذْهَا فَقِيلَ لَهُ: مَا مَنَعَك أَنْ تَأْخُذَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَالَ جَرِيرٌ: لأََنَّا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لاَ نَغُشَّ أَحَدًا؛ أَوْ قَالَ: مُسْلِمًا وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ لَيْسَ لِي غِشٌّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ عَنْ مَيْسَرَةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فِي " بَابِ مَا لاَ يَتِمُّ الْبَيْعُ إِلاَّ بِهِ مِنْ التَّفَرُّقِ ". وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَا بِشْرُ بْنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَالْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَحَاكَمَا إلَيْهِ فِي دَارٍ كَانَتْ لِلْعَبَّاسِ إلَى جَانِبِ الْمَسْجِدِ أَرَادَ عُمَرُ أَخْذَهَا لِيَزِيدَهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَأَبَى الْعَبَّاسُ، فَقَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ لَهُمَا: لَمَّا أَمَرَ سُلَيْمَانُ بِبِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتْ أَرْضُهُ لِرَجُلٍ فَاشْتَرَاهَا سُلَيْمَانُ مِنْهُ، فَلَمَّا اشْتَرَاهَا قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: الَّذِي أَخَذْت مِنِّي خَيْرٌ أَمْ الَّذِي أَعْطَيْتنِي قَالَ سُلَيْمَانُ: بَلْ الَّذِي أَخَذْت مِنْك قَالَ: فَإِنِّي لاَ أُجِيزُ الْبَيْعَ فَرَدَّهُ، فَزَادَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ، فَأَبَى أَنْ يُجِيزَهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَهَذَا أُبَيٌّ يُورِدُ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ بِهِ بِحَضْرَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَالْعَبَّاسِ، رضي الله عنهم، فَيُصَوِّبَانِ قَوْلَهُ فَهَؤُلاَءِ عُمَرُ، وَابْنُهُ، وَالْعَبَّاسُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَأُبَيٌّ، وَجَرِيرٍ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،: يَرَوْنَ رَدَّ الْبَيْعِ مِنْ الْخَدِيعَةِ فِي نُقْصَانِ الثَّمَنِ عَنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ رَدَّ الْبَيْعَ مِنْ الْغَلَطِ، وَلَمْ يَرُدَّهُ الشَّعْبِيُّ وَقَالَ: الْبَيْعُ خُدْعَةٌ. قال أبو محمد: وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ أَقْوَالِ الْحَاضِرِينَ مِنْ خُصُومِنَا فَإِنَّهُمْ يَرُدُّونَ الْبَيْعَ مِنْ الْعَيْبِ يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ يُوجَدُ فِيهِ؛ لأََنَّهُ عِنْدَهُمْ غِشٌّ، ثُمَّ يُجِيزُونَ الْبَيْعَ وَقَدْ غَشَّ فِيهِ بِأَعْظَمِ الْغِشِّ، وَأَخَذَ فِيهِ مِنْهُ، أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ، هَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَتَنَاقُضٌ سَمْجٍ. وَعَجَبٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَ الْبَيْعَ مِنْ الْعَيْبِ يُوجَدُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَهُ الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ مُعَيَّنًا، وَلاَ يَرُدُّونَ الْبَيْعَ إذَا غُبِنَ الْبَائِعُ فِيهِ الْغَبْنَ الْعَظِيمَ، فَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذِهِ الْعِنَايَةُ بِالْمُشْتَرِي وَهَذَا الْحَنَقُ عَلَى الْبَائِعِ، إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ وَعَجَبٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنَّهُمْ نَعْنِي الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ يَحْجُرُونَ عَلَى الَّذِي يَخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ حَتَّى يَمْنَعُوهُ مِنْ الْعِتْقِ، وَالصَّدَقَةِ، وَمِنْ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ الَّذِي لاَ غَبْنَ فِيهِ وَيَرُدُّونَ كُلَّ ذَلِكَ، وَهُمْ يُنَفِّذُونَ مَعَ ذَلِكَ تِلْكَ الْبُيُوعَ الَّتِي غُبِنَ فِيهَا، وَلاَ يَرُدُّونَهَا، فَلَئِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْبُيُوعُ الَّتِي خُدِعَ فِيهَا حَقًّا وَجَائِزَةً فَلأََيِّ مَعْنًى حَجَرُوا عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهَا وَهِيَ حَقٌّ وَصَحِيحَةٌ وَلَئِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْبُيُوعُ الَّتِي خُدِعَ فِيهَا بَاطِلاً وَغَيْرَ جَائِزَةٍ فَلأََيِّ مَعْنًى يُجِيزُونَهَا، إنَّ هَذِهِ لِطَوَامُّ فَاحِشَةٍ، وَتَخْلِيطٌ سَمْجٌ، وَخِلاَفٌ مُجَرَّدٌ لِكُلِّ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ ذُكِرَ لَهُ مُنْقِذٌ، وَأَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ، لَكِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ: " لاَ خِلاَبَةَ " عِنْدَ الْبَيْعِ، وَجَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ ثَلاَثًا فِي إنْفَاذِ الْبَيْعِ أَوْ رَدِّهِ، فَأَبْطَلَ عليه السلام: " الْخِلاَبَةَ " وَأَنْفَذَ بُيُوعَهُ الصِّحَاحَ وَاَلَّتِي يَخْتَارُ إنْفَاذَهَا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِهَا، وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ وَهَذَا عَكْسُ كُلِّ مَا يَحْكُمُونَ بِهِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
فَمَنْ غَبَنَ فِي بَيْعٍ اُشْتُرِطَ فِيهِ السَّلاَمَةُ فَهُوَ بَيْعٌ مَفْسُوخٌ؛ لأََنَّ بَيْعَ الْغِشِّ بِيَقِينٍ هُوَ غَيْرُ بَيْعِ السَّلاَمَةِ الَّذِي لاَ غِشَّ فِيهِ، هَذَا أَمْرٌ يُعْلَمُ بِالْمُشَاهَدَةِ، فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ فَالْبَيْعُ الْمُنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَاطِنِ لَيْسَ هُوَ الَّذِي عَقَدَ عَلَيْهِ مُشْتَرِطُ السَّلاَمَةِ، وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُلْزَمَ غَيْرَ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِمَا لَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهِ بَيْعَهُ الَّذِي تَرَاضَى بِهِ، لأََنَّ مَالَ الآخَرِ حَرَامٌ عَلَيْهِ إِلاَّ مَا تَرَاضَى مَعَهُ، وَكَذَلِكَ مَالُهُ عَلَى الآخَرِ أَيْضًا. وَأَمَّا إذَا عَلِمَ بِقَدْرِ الْغَبْنِ كِلاَهُمَا، وَتَرَاضَيَا جَمِيعًا بِهِ، فَهُوَ عَقْدٌ صَحِيحٌ، وَتِجَارَةٌ عَنْ تَرَاضٍ، وَبَيْعٌ لاَ دَاخِلَةَ فِيهِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِقَدْرِ الْغَبْنِ، وَلَمْ يَشْتَرِطَا السَّلاَمَةَ، وَلاَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا عَرَفَ فِي رَدٍّ أَوْ إمْسَاكٍ؛ لأََنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ سَالِمًا عَلَى الْجُمْلَةِ، فَهُوَ بَيْعٌ صَحِيحٌ. ثُمَّ وَجَدْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَ الْخِيَارَ لِمَنْ قَالَ: " لاَ خِلاَبَةَ ثَلاَثًا " إنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ فَوَجَبَ أَنْ لاَ يَحِلَّ مَا تَزَيَّدَ فِيهِ الْخَادِعُ عَلَى الْمَخْدُوعِ إِلاَّ بِعِلْمِ الْمَخْدُوعِ وَطِيبِ نَفْسِهِ، فَإِنْ رَضِيَ بِتَرْكِ حَقِّهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَبَى لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ مَا ابْتَاعَ بِغَيْرِ رِضَى الْبَائِعِ، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ. وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عَلَى أَنَّ لَهُ الرَّدَّ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ: هَلْ لَهُ الْإِمْسَاكُ أَمْ لاَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ عَلِيٌّ: وَالْقِيمَةُ قِيمَتَانِ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فَقَدْ كَانَ التُّجَّارُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبِيعُونَ مَا يَشْتَرُونَ طَلَبَ الرِّبْحِ، هَذَا أَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ، فَقِيمَةٌ يَبْتَاعُ بِهَا التُّجَّارُ السِّلَعَ لاَ يَتَجَاوَزُونَهَا إِلاَّ لِعِلَّةٍ، وَقِيمَةٌ يَبِيعُ بِهَا التُّجَّارُ السِّلَعَ لاَ يَحُطُّونَ عَنْهَا، وَلاَ يَتَجَاوَزُونَهَا إِلاَّ لِعِلَّةٍ؛ فَهَاتَانِ الْقِيمَتَانِ تُرَاعَيَانِ لِكُلِّ قِيمَةٍ فِي حَالِهَا. قال أبو محمد: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِي إبْطَالِهِمْ الْبَيْعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا يُسَاوِي وَإِنْ عَلِمَا جَمِيعًا بِذَلِكَ وَتَرَاضَيَا بِهِ بِأَنْ قَالُوا: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ، قَالُوا: وَالْمُشْتَرِي الشَّيْءَ، بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْبَائِعُ لَهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ كِلاَهُمَا مُضَيِّعٌ لِمَالِهِ. قَالُوا: وَلاَ يَجُوزُ إخْرَاجُ الْمَالِ عَنْ الْمِلْكِ إِلاَّ بِعِوَضِ أَجْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَفْضَلُ عِوَضٍ، وَأَمَّا بِعِوَضٍ مِنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا كَعَمَلٍ فِي الْإِجَارَةِ، أَوْ عَرَضٍ فِي التِّجَارَةِ، أَوْ مِلْكِ بُضْعٍ فِي النِّكَاحِ، أَوْ انْحِلاَلِ مِلْكِهِ فِي الْخُلْعِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ. قَالُوا: وَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً بِأَلْفِ دِينَارٍ، أَوْ يَاقُوتَةً بِفَلْسٍ، فَإِنَّ هَذَا هُوَ التَّبْذِيرُ، وَالسَّرَفُ، وَبَسْطُ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ، وَأَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ قال أبو محمد: لاَ حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. قال أبو محمد: فَنَقُولُ لَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إنَّ الَّذِي قُلْتُمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لاَ يَعْلَمُ بِقَدْرِهِ، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ بِقَدْرِ الْغَبْنِ وَطَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ فَهُوَ بِرٌّ بِرَّ بِهِ مُعَامَلَةً بِطِيبِ نَفْسِهِ، فَهُوَ مَأْجُورٌ؛ لأََنَّهُ فَعَلَ خَيْرًا، وَأَحْسَنَ إلَى إنْسَانٍ، وَتَرَكَ لَهُ مَالاً، أَوْ أَعْطَاهُ مَالاً، وَلَيْسَ التَّبْذِيرُ، وَالسَّرَفُ، وَإِضَاعَةُ الْمَالِ، وَأَكْلُهُ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي: " كِتَابِ الْحَجْرِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَأَمَّا التِّجَارَةُ عَنْ تَرَاضٍ فَمَا حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ، بَلْ أَبَاحَهَا. قال أبو محمد: وَإِنَّمَا يَجُوزُ مِنْ التَّطَوُّعِ بِالزِّيَادَةِ فِي الشِّرَاءِ مَا أَبْقَى غِنًى؛ لأََنَّهُ مَعْرُوفٌ مِنْ الْبَيْعِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصَّدَقَةُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى. وَأَمَّا مَا لَمْ يُبْقِ غِنًى فَمَرْدُودٌ لاَ يَحِلُّ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ صِحَّةَ قَوْلِنَا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا أَبُو كَامِلٍ هُوَ فُضَيْلُ بْنُ حُسَيْنٍ الْجَحْدَرِيُّ أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ أَنَا الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَتَخَلَّفَ نَاضِحِي؛ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَمَا زَالَ يَزِيدُنِي وَيَقُولُ: وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَكَ. قال أبو محمد: فَلاَ يَخْلُو أَوَّلُ عَطَاءٍ أَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَمَلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ قِيمَةَ الْجَمَلِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَ قِيمَتَهُ فَقَدْ زَادَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَفِي هَذَا جَوَازُ الْبَيْعِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقِيمَةِ عَنْ رِضَاهُمَا مَعًا وَإِنْ كَانَ أَعْطَاهُ أَوَّلاً أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ فَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا وَهُوَ عليه السلام لاَ يَسُومُ بِمَا لاَ يَحِلُّ، وَلاَ يَخْدَعُ، وَلاَ يَغُرُّ، وَلاَ يَغُشُّ فَهَذَا نَفْسُ قَوْلِنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام: لاَ يَسُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ فِيهِ إبَاحَةُ الْمُسَاوِمَةِ، وَهِيَ عِنْدَ كُلِّ مَنْ يَدْرِي اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ مَعْرُوفَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدُهُمَا ثَمَنًا يُعْطِيهِ الآخَرُ أَقَلَّ فَلَوْ كَانَ إعْطَاءُ أَقَلِّ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ طَلَبُ أَكْثَرِ مِنْهَا طَلَبًا بَاطِلاً لَمَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ. فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا عَرَفَاهُ وَعَرَفَا مِقْدَارَهُ وَتَرَاضَيَا مَعًا بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ خَدِيعَةً، وَلاَ غِشًّا. وَكَذَلِكَ مَا جَعَلَ عليه السلام لِمُنْقِذٍ مِنْ الْخِيَارِ فِي رَدِّ الْبَيْعِ أَوْ إمْضَائِهِ وَكَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فِيهِ إجَازَةُ الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ الْخَدِيعَةِ إذَا رَضِيَهَا الْمَخْدُوعُ وَعَرَفَهَا. وَكَذَلِكَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الأَمَةِ إذَا زَنَتْ فَقَالَ: إذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا، وَلَوْ بِضَفِيرٍ أَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ فَأَبَاحَ عليه السلام بَيْعَهَا بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ إذَا رَضِيَ بَائِعُهَا بِذَلِكَ. وَقَدْ أَجَازَ أَصْحَابُنَا الَّذِي أَنْكَرُوا هَهُنَا فِي حَسَّ مَسَّ إذْ أَجَازُوا بَيْعَ عَبْدٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، وَاشْتِرَاطَ مَالٍ وَهُوَ أَنَّهُ عَشَرَةُ آلاَفِ دِينَارٍ، وَلَمْ يُنْكِرُوهُ أَصْلاً، وَكَيْفَ يُنْكِرُونَهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَبَاحَهُ جُمْلَةً وَهَذَا أَخْذُ مَالٍ بِغَيْرِ صَدَقَةٍ، وَلاَ عِوَضٍ. قال أبو محمد: وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَخْبَارِ مُتَعَلَّقٌ لِمَنْ أَجَازَ الْبَيْعَ الَّذِي فِيهِ الْخَدِيعَةُ الْمُحَرَّمَةُ وَالْغِشُّ الْمُحَرَّمُ مِنْ الْغَبْنِ الَّذِي لاَ يَدْرِيهِ الْمَغْبُونُ. لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، إنَّمَا فِيهَا جَوَازُ ذَلِكَ إذَا عَلِمَهُ الرَّاضِي بِهِ فِي بَيْعِهِ فَقَطْ، وَلاَ يَجُوزُ الرِّضَا بِمَجْهُولٍ أَصْلاً؛ لأََنَّهُ مُمْتَنِعٌ فِي الْجِبِلَّةِ، مُحَالٌ فِي الْخِلْقَةِ، وَقَدْ يَقُولُ الْمَرْءُ: رَضِيت رَضِيت، فِيمَا لاَ يَعْلَمُ قَدْرَهُ، فَإِذَا وَقَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَرْضَهُ أَصْلاً، هَذَا أَمْرٌ مَحْسُوسٌ فِي كُلِّ أَحَدٍ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وَاحْتَجَّ الْمَذْكُورُونَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا بَعَثَ مَنْ يَبْتَاعُ لَهُ سِلْعَةً: ارْثِمْ أَنْفَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ الْأُوَيْسِيُّ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ قَالَ: وَدِدْت أَنِّي لاَ أَبِيعُ شَيْئًا، وَلاَ أَبْتَاعُهُ إِلاَّ بَطَحْت بِصَاحِبِهِ. وَبِمَا ذَكَرْنَا عَنْ الشَّعْبِيِّ مِنْ قَوْلِهِ: الْبَيْعُ خُدْعَةٌ قال أبو محمد: هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَابْنُ حَبِيبٍ مَتْرُوكٌ، ثُمَّ هُوَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بَلاَغٌ كَاذِبٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا فَهِمَ مِنْهُ أَحَدٌ إبَاحَةَ غَبْنٍ، وَلاَ خَدِيعَةٍ، إنَّمَا مَعْنَى " ارْثِمْ أَنْفَهُ " خُذْ أَفْضَلَ مَا عِنْدَهُ وَهَذَا مُبَاحٌ إذَا تَرَاضَيَا بِذَلِكَ، وَأَعْطَاهُ إيَّاهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ لاَ شَيْءَ وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَسُجُودِهِ فِي إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَإِبَاحَتِهِ بَيْعَ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُصَادَ، وَعَشَرَاتٍ مِنْ الْقَضَايَا، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ مَا صَحَّ عَنْهُ لَيْسَ حُجَّةً وَمَا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ حُجَّةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاَلَّذِي جَاءَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ هُوَ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَقَدْ خَالَفَهُ الْقَاسِمُ، وَغَيْرُهُ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، وَلَا إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ كَالْحَصَادِ، وَالْجِدَادِ، وَالْعَطَاءِ، وَالزَّرِيعَةِ، وَالْعَصِيرِ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا يَتَقَدَّمُ بِالْأَيَّامِ وَيَتَأَخَّرُ فَالْحَصَادُ، وَالْجِدَادُ، يَتَأَخَّرَانِ أَيَّامًا إنْ كَانَ الْمَطَرُ مُتَوَاتِرًا، وَيَتَقَدَّمَانِ بِحَرِّ الْهَوَاءِ وَعَدَمِ الْمَطَرِ، وَكَذَلِكَ الْعَصِيرُ، وَأَمَّا الزَّرِيعَةُ فَتَتَأَخَّرُ شَهْرَيْنِ وَأَكْثَرَ لِعَدَمِ الْمَطَرِ - وَأَمَّا الْعَطَاءُ فَقَدْ يَنْقَطِعُ جُمْلَةً . وَأَيْضًا: فَكُلُّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ الْأَجَلُ إلَى مَا لَا يَتَأَخَّرُ سَاعَةً وَلَا يَتَقَدَّمُ، كَالشُّهُورِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ؛ أَوْ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ غُرُوبِهَا، أَوْ طُلُوعِ الْقَمَرِ أَوْ غُرُوبِهِ، أَوْ طُلُوعِ كَوْكَبٍ مُسَمًّى أَوْ غُرُوبِهِ، فَكُلُّ هَذَا مَحْدُودُ الْوَقْتِ عِنْدَ مَنْ يَعْرِفُهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَقُلْنَا لَهُمْ: يَا هَؤُلَاءِ أَيْنَ أَنْتُمْ عَنْ هَذَا الِاحْتِجَاجِ الْكَاذِبِ فِي كُلِّ مَا تَرَكْتُمْ فِيهِ التَّوْقِيفَ الصَّرِيحَ: مِنْ أَنَّ كُلَّ بَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ . وَالنَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ فَأَبَحْتُمُوهُ عَلَى الْقَطْعِ . وَالنَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ فَأَبَحْتُمُوهُ وَسَائِرَ التَّوْقِيفَاتِ الثَّابِتَةِ ؟ فَهَانَ عَلَيْكُمْ تَرْكُهَا لِآرَائِكُمْ الْمُجَرَّدَةِ، وَتَأْوِيلَاتِكُمْ الْفَاسِدَةِ، ثُمَّ الْتَزَمْتُمْ الْقَوْلَ بِظَنٍّ كَاذِبٍ لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ أَنَّ هَهُنَا تَوْقِيفًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَمَتْهُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ تُبَلِّغْهُ، وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَكْشُوفُ وَقَبِيحُ الْوَصْفِ لِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها . فَإِنْ قَالُوا: تَرَكْنَا دَلِيلَ النُّصُوصِ لِتَأْوِيلٍ تَأَوَّلْنَاهُ وَاجْتِهَادٍ رَأَيْنَاهُ ؟ . فَقُلْنَا: وَمَنْ أَبَاحَ لَكُمْ ذَلِكَ وَحَظَرَهُ عَلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - وَقُلَامَةُ ظُفُرِهِ وَاَللَّهِ قَبْلَ أَنْ تُفَارِقَهُ - خَيْرٌ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَكُلِّ مَنْ اتَّبَعَهُمَا ؟ وَهُوَ الَّذِي صَدَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، وَحَتَّى لَوْ كَانَ هَهُنَا نَصٌّ ثَابِتٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ، فَمَنْ أَحَقُّ بِالتَّأْوِيلِ مِنْهُ فِي أَنْ يُعْذَرُ فِي ذَلِكَ لَوْ أَخْطَأَ مُجْتَهِدًا فِي خِلَافِ الْقُرْآنِ ؟ كَمَا تَأَوَّلَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنْ لَا يَتَيَمَّمَ الْجُنُبُ وَلَا يُصَلِّيَ وَلَوْ لَمْ يَجِدَ الْمَاءَ شَهْرًا . وَكَمَا تَأَوَّلَ عُمَرُ إذْ خَطَبَ فَمَنَعَ الزِّيَادَةَ فِي الصَّدَاقِ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَإِذْ أَعْلَنَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَمُتْ وَلَا يَمُوتُ حَتَّى يَكُونَ آخِرَنَا . وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها إنَّمَا قَالَتْ هَذَا الْقَوْلَ إنْ كَانَتْ قَالَتْهُ أَيْضًا فَلَمْ يَرْوِ ذَلِكَ عَنْهَا مَنْ يَقُومُ بِنَقْلِهِ حُجَّةٌ . وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَطُولُ مِمَّنْ رَدَّ رِوَايَةَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْمُهَاجِرَةِ الْمُبَايَعَةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يُلْزِمُ النَّاسَ الْحُجَّةَ بِرِوَايَةِ أُمِّ يُونُسَ، وَأُمِّ مُحِبَّةَ، فَلَا أَكْثَرَ مِنْ أُمِّ يُونُسَ، وَأُمِّ مُحِبَّةَ، لِرَأْيٍ رَأَتْهُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ خَالَفَهَا فِيهِ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطَاءٍ، وَجَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، قَالَ عَطَاءٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَشْتَرِي إلَى الْعَطَاءِ، وَقَالَ جَعْفَرٌ عَنْ أَبِيهِ: إنَّ دِهْقَانًا بَعَثَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ثَوْبَ دِيبَاجٍ مَنْسُوجٍ بِالذَّهَبِ فَابْتَاعَهُ مِنْهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ إلَى الْعَطَاءِ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، قَالَ حَجَّاجٌ: وَكَانَ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ يَتَبَايَعْنَ إلَى الْعَطَاءِ . وَمِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ: لَا بَأْسَ بِالْبَيْعِ إلَى الْعَطَاءِ - وَعَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ عَنْ نُوحِ بْنِ أَبِي بِلَالٍ: اشْتَرَى مِنِّي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ طَعَامًا إلَى عَطَائِهِ . قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ هَذَا عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَنَاهِيك بِهِ ضَعْفًا، وَعَنْ جَابِرٍ وَهُوَ دُونَ حَجَّاجٍ بِدَرَجٍ، وَلَا أَدْرِي نُوحَ بْنَ أَبِي هِلَالٍ مَنْ هُوَ ؟ وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ الْمُحْتَجِّينَ بِرِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ فِي أَنَّ الْعُمْرَةَ تَطَوُّعٌ أَنْ يَحْتَجُّوا هَهُنَا بِرِوَايَتِهِ، وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُهُمْ إذْ قَلَّدُوا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا خَالَفَهَا فِيهِ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ أَنْ يُقَلِّدُوهَا هَهُنَا وَمَعَهَا صَوَاحِبُهَا أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلِيٌّ، وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، وَأَيْضًا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَغَيْرُهُ، وَلَكِنَّ الْقَوْمَ مُتَلَاعِبُونَ . قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يُسْلِمُ إلَى عَصِيرٍ، وَلَا إلَى الْعَطَاءِ، وَلَا إلَى الْأَنْدَرِ - يَعْنِي الْبَيْدَرَ . وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَتِيقٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ لَا تَبِعْ إلَى الْحَصَادِ، وَلَا إلَى الْجِدَادِ، وَلَا إلَى الدِّرَاسِ وَلَكِنْ سَمِّ شَهْرًا . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ الْبَيْعِ إلَى الْعَطَاءِ ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي مَا هُوَ ؟ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ: أَنَّهُ كَرِهَ الشِّرَاءَ إلَى الْعَطَاءِ، وَالْحَصَادِ، وَلَكِنْ يُسَمِّي شَهْرًا . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الْحَكَمِ: أَنَّهُ كَرِهَ الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ - وَهُوَ قَوْلُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعَطَاءٍ .
|